لم أندهش أبدًا من مدى انتشار تحدي الثلج في الآونة الأخيرة. هذا لأننا أصبحنا نستخدم شبكة الإنترنت في الأمور التافهة! وقليل هم من يستفيدون من إمكانياتها الحقيقية. وقصة اليوم عن هذه اللعنة الجديدة، ذات الغرض النبيل – زعموا!-.
لن أُخَمّن، في هذه الأيام تحديدًا، بات من المستحيل خلال جولتكم على الإنترنت إلا وسيعترض طريقكم تحدي الثلج بأي شكل من الأشكال. سواء كان ذلك صورة أو مقطع فيديو أو مقال، جميعهم لديهم رغبة في الظهور لك فجأة في كل مكان داخل الشبكة العنكبوتية.
مرض التصلُّب الضمُوري العضلي الجانبي ALS هو من أبشع الأمراض التي قد تسمع عنها في حياتك، ولا يوجد في الوقت الحالي علاج لمثل هذا المرض. وأعراضه باختصار أن من يُعانون منه لن يسعكم الأمر سوى مُشاهدة أجسادهم تتدهور تدريجيًا حتى الموت وكأنهم زهرة ذابلة، والحمد لله على نعمة الصحة.
وفي جوهر هذه الظاهرة التي تعتمد على مبدأ نبيل، وهو التبرُّعِ بالمال لمنظمة ALSA ودعم هؤلاء المرضى، يظل هناك بعض الانحراف الفكري في التحدي الذي لا معنى له سوى اعتباره لعبة تروق لكم ولأصدقائكم ليس إلا.
ربما البعض لا يدري سبب إنشاء هذا التحدي، وكان عندما اكتشفَ بوسطن كوليدج – لاعب البيسبول السابق- أن لديه ALS وقال حينها أنه سيقاتل هذا المرض بضراوة. حينها قام اثنان من أصدقائه بمحاولة لرفع مستوى الوعي للناس من خلال فكرة أنشأوها – وهي تحدي الجليد-، التي تعتمد على مُطالبتكم بالتبرع بالمال لأصحاب المرض أو سكب دلو من الماء البارد على رؤوسكم، أو الحالتين معا.
هل شاهدنا ذلك خلال الأعوام السابقة؟ وهل سمعنا عنه؟ لا، لكن لمجرد واحد أو اثنين من المشاهير تم ترشيحه، فهو أمر كفيل بجعله لعنة عالمية تحِلّ على كل من يراها – إلا من رحم ربي-، الآن كم من دولة وشعوبها شاركوا في التحدي؟ أظننا بحاجة إلى من يقوم بعمل إحصائية لذلك، بالرغم من توقعاتي للنسبة، إلا أنه من المحتمل أيضًا أن تُذهلنا الأرقام!
ربما كانت هذه الظاهرة لها سببًا وجيهًا وتسليط الضوء على هذا المرض والتبرعات، لكن التحدي نفسه يحمل بين طيّاته طبيعة سيئة. الآن الكل يحاول الحصول على الشهرة من خلاله، ممثل أو مُغنّي أو لاعب رياضي، بالإضافة إلى المضمورين.
نظرة تسويقية على تحدي الثلج
وفضلًا عن أن الأمر بمثابة فقدان هوية للعرب والمسلمين.
لنلقِيَ نظرة على هذه الظاهرة من الناحية التسويقيَّة:
سبب نجاح هذا التحدي أمرين، سهولة تنفيذه والمُتابعة المستمرة؛ فانتقاله من شخص إلى آخر باسم “التحدي” أمر ممتع لهؤلاء، بل وما يجعل من تحدي الثلج أمرًا لا يُخطئ هدفه أن التحدي لثلاثة أشخاص، وبالتأكيد سيكون هناك واحدًا على الأقل ممن يقبل ذلك.
هناك من ابتدع في فكرة التحدي الأصلية، أيًّا كان مشهورًا أو لا، أحدهم استخدم دلوًا، كذلك قرر آخر سكب دلوًا من المال بدلًا من الماء البارد، والبعض استخدم سيارات رش المياه، وبلغ الأمر استخدام شاحنات صب الخرسانة!
ولأننا نتكلم من المنظور التسويقي لتحدي الثلج، دعكم من الفكرة باعتبارها “لعبة” الآن؛ لأن هناك من استخدمها لتحسين صورته على شبكة الإنترنت، وكذا تحقيق مكاسب شخصية لا بأس بها. لكن سأخبركم بشيء:
الأمر لا ينفصل كثيرًا عن فكرة انتشار رقصات جانجام ستايل وهابي وهارلم شيك. أمَّا الناس – أنا وأنت وأنتم وهؤلاء!-، فَهُمْ بحاجة للفصل بين التسويق الجيد من السيئ. ويظل الإنترنت وسيلة جيدة جدًا للتسويق الفيروسي، لكن الأمر في النهاية متروك للمستخدم عمَّا إذا كان عقله قابلًا لامتصاص هذا النوع من الأشياء وتطبيقه على نفسه.
ختامًا.. أسئلة للإخوة العرب..
هل بعد تحدي الثلج وسكب الماء على رأسك قُمت بالتبرع ببعض المال للمنظمة الخيرية وفقًا لقواعد اللعبة؟ لا أدري.
هل تتقبلون شعور الشعوب التي تُعاني من الجفاف ونقص الموارد المائية إذا شاهدوا هذا الكم من إهدار الماء؟ أيضًا.. لا أدري.
كل ما أنا على دراية به: إذا رَغبَ أحدكم في التبرُّع؛ فليُرْسل المال ببساطة إلى المُنظَّمَة، لكن أن نرى أحدكم يُصوّر نفسه ليشاهده الجميع عند إلقاء الماء على رأسه!، دعني أخبرك بحقيقة الأمر: أنت تبحث عن مصلحة شخصية.
جزاك الله خير