للاسلام مواقف عديدة حول الاقتصاد وقد فصل الاسلام الاقتصاد تفصيلا دقيقا وشرحه ادق التفصيل ووضع الحلول المناسبة للازمات .

18

أسباب الأزمة :
بشكل مختصر جدا فإن سبب الأزمة يتمحور حول القروض الربوية متضافرة مع مجموعة من العوامل الأخرى, وكانت انطلاقةالأزمة من الولايات الأمريكية المتحدة حين عملت البنوك على تخفيض أسعار الفائدة فتدافعت الشركات والأفراد إلى الحصول على هذه القروض ,ثم ارتقت نسبة الفائدة بشكل مفاجئ ,وتبع ذلك سلسلة معقدة من التبعات الاقتصادية غير المتناهية التي أدت في النهاية إلى تدمير اقتصاد دول العالم, ولكن مايهمني في دراستي هذه هو القروض الربوية بنوعيها ((الاستهلاكية – والاستثمارية )) التي تعد محور القضية,وسبب الداء
وقد تنبأ لخطورتها على الاقتصاد العالمي: الاقتصادي الألماني سيلفيو جيزل سنة 1862-1930 والذي أرجع سبب عدم نمو المال إلى الفائدة أوالربا , ويوافقه في ذلك الدكتور شاخت الاقتصادي الألماني في محاضرة له بدمشق سنة 1953 من أنه بعملية رياضية غير متناهية يتضح لنا من خلالها أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل من المرابين ((وهذا هو ما حصل في الأزمة الراهنة )) وصدق الله العظيم حين يقول {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} ويقول في موضع آخر {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
ويمكن تلخيص أسباب الأزمة الاقتصادية في النقاط الآتية
1. الارتفاع المفاجئ في نسبة الفائدة الربوية.
2. تحول العملة النقدية من وسلية لتدوير الإنتاج إلى سلعة في حد ذاتها يحتكرها أصحاب رؤوس الأموال.
3. استنزاف اقتصاد الدول في موارد تجلب الخسارة أكثر من الربح, كالخمر ولحم الخنازير .
4. تحول المستثمرين من الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج إلى الاقتصاد الوهمي القائم على القروض الربوية.

إن نظرية الاقتصاد الإسلامي لا تقبل ربحا فيه ضرر للغير أوربحا لايقابلهعمل ، وبصورة أعم فإن الإسلام يرفض بشدة ذلك الاقتصاد الوهمي القائم على الربا والمديونية وأكل أموال الناس بالباطل, قال صلى الله عليه وسلم” أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده” أي الكسب الذي ينمي الاقتصاد ويزيد الإنتاج.
ولقد دافع الاقتصاديون الرأسماليون عن شرعية الفائدة(( الربا)) بحجة أن يستريح الشخص من المال الذي يكنزه دون أي عمل مادي أو فكري ,ودون أي مخاطر على الإطلاق, فيعود إليه المال دون أي جهد أضعافا مضاعفة, ((أي يصبح المال سلعة في حد ذاتها يحتكرها الرأسمالي )) وأول مايهدم هذا المنطق عناصر الإنتاج وأهمها العمل , فالعامل يفقد قدرته على العمل ((البطالة وهذا ما حصل بالتحديد عندما فقد مايقارب 40 مليون منصب عمل)) , بينما رأس المال لا يكل ولا يمل من جلب الأرباح ولا يتعرض في سبيل ذلك إلى أي خطر من الأخطار.
وهنا لا أريد أن أطيل الحديث عن أسباب الأزمة وتداعياتها , فما يهمني الآن هو الحل وكيفية خروج العالم من هذه الأزمة وبالأخص الدول العربية , ولاشك أن الأقطار أصبحت تنادي بالحل الإسلامي, أو الاقتصاد الإسلامي كبديل وتعتبره حبل النجاة,ومخرجا لهذه الأزمة, وذلك بإلغاء نسبة الفائدة, ولكن كيف يكون هذا ؟ وكيف يتحقق الربح للبنوك والمصارف بدون فائدة ؟ وماهي التدابير التي يمكن بها مواجهة الأزمة ؟

التدابير التي ينبغي على دول العالم اتخاذها لمواجهة الأزمة
1- التقليص من نسبة الفائدة شيئا فشيئا إلى أن تساوي الفائدة صفرا.
2- دعم الإنتاج الحقيقي القائم على العمل والجهد المادي أو الفكري.
3- عدم اعتبار الخمور ولحوم الخنازير أمولا لما تسببه من أضرار وخيمة على ميزانية الدول.
4- على الدول دعم المصارف التي تخلو من الربا حتى تحقق أكثر ربح وإعفاؤها من الضرائب.
5- ترك الاقتصاد الوهمي ((الربا ,المديونية ,البيع الوهمي , بيع الجهالة وجميع البيوع المحرمة …. )) بالبدائل التي سيتم تفصيلها _المنح الإنتاجية والمنح الاستهلاكية –
أولا المنح الإنتاجية:وهي بديل للقروض الإنتاجية القائمة على الفائدة الربوية وهذه المنح تعتمد على المشاركة من طرف المصرف برأس المال والمستثمر بالجهد الإدارة والعمل والتخطيط ,على أن يتم الاتفاق بأن المشاركة تكون في الربح والخسارة,وحتى يضمن المصرف نجاحالمشروع ويقي نفسه شر الخسارة يقوم بتشكيل لجنة علمية متخصصة على أعلى المستويات من العلم والدراية بعلم الاقتصاد لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقدمة من المستثمرين ومدى الأرباح التي سيجنيها المشروع, وهناك ثلاث نقاط في المنح الانتاجية يجب الالتفات إليها.
النقطة الأولى : أن نجاح المشروع يعتمد بالدرجة الأولى على كفاءة اللجنة العلمية وخبرتها في تقييم وتطوير المشروعات, بما يتناسب مع مصالحة المصرف والمستثمر .
النقطة الثانية : إذا أدت اللجنة العلمية دورها على أكمل وجه فإن المصرف في هذه الحالة سيحقق أرباح أكبر فائدة من تلك التي كان يجنيها من القروض الربوية, إذ باستطاعة المصرف أن يتفق مع المستثمر على 50% من الأرباح وهذه القيمة أكبر بكثير من الفائدة الربوية التي في العادة لا تتجاوز 5%.
النقطة الثالثة: أن المصرف عندما يشكل لجنة متخصصة لفرز المشاريع فهو بذلك يتفادى أكبر قدر من الخسارة, وعلى أسوء الضروف فإن المصرف قد يخسر مشروعا أو اثنين في العام في مقابل أنه كسب مئات المشاريع .
النقطة الرابعة : بهذه الطريقة ((المنح الانتاجية )) سيحل الاقتصاد الحقيقي محل الاقتصاد الوهمي ويمنح فرص عمل للمستثمرين والمواطنين وخاصة المحلين.
مميزات المنح الإنتاجية
– تحقيق فائدة أكبر للمصرف مقارنة بالقروض الربوية
– مكافحة البطالة
– تشجيع الاستثمار
– مكافحة الركود الاقتصادي
– زيادة الإنتاج
– تحقيق نشاط اقتصادي مربح وفعال يلبي متطلبات العصر ويحقق مقاصد الشريعة الإسلامية .
ثانيا المنح الاستهلاكية : وهذه المنح تحل محل القروض الاستهلاكية الربوية التي في العادة يحتاج إليها المواطن لبناء مسكن أو شراء سيارة, وهي قروض تتسم بأنها محدودة الفائدة والأجل, وللخروج من نسبة الفائدة ((الربا)) يقوم المصرف بشراء أو بناء وحدات سكنية مختلفة ,أو التعاقد مع شركات صناعة السيارات ((حاجيات الفرد التي تدعوه للاقتراض )) وبعد أن يتمكن منها المصرف يقوم ببيعها للمستهلكين بالتقسيط وبالفائدة التي يتم الاتفاق عليها ، أو أن يقوم المصرف بتخصيص قطاع خيري للتبرعات أو المدينين ولو بمبالغ رمزية ثم يقوم المصرف بإقراضها إلى ذوي الدخل المحدود والمضطرين بدون فائدة حتى يقضوا بها شؤون حياتهم الطارئة (( علاج , سيارة, مسكن ….))
وهنا يجب الانتباه إلى النقاط التالية
النقطة الأولى : ضرورة الاحتياط عند التعامل وأخذ الضمانات اللازمة لضمان رجوع المبلغ إلى المصرف.

النقطة الثانية :تحديد وتقليص المبلغ في المنح الاستهلاكية مقارنة بالمنح الإنتاجية .

النقطة الثالثة : يجب أن تقتصر المنح الاستهلاكية على الحاجات الضرورية ((سيارة . مسكن ) حتى لا نقتل المنافسة للسلع في السوق

النقطة الرابعة :يجب على المحتاج أو المضطر تقديم ما يفيد ذلك للمصرف .
وتم تطبيق المنح الاستهلاكية ((البيع بالتقسيط ))على نطاق واسع في للسيارات وأجهزة الحاسوب المحمول الذي تولاه مصرف الجمهورية , حيث تم بيع كل هذه السلع بالتقسيط إلى المواطنين الذين لهم مرتبات شهرية في المصرف, وقد لاقت هذه الفكرة استحسانا وإقبالا من الجميع.
مميزات المنح الإنتاجية
– تحقيق الرخاء الاقتصادي على مستوى الأفراد .
– القضاء على مضاهر الرأسمالية.
– تحقيق فائدة أكبر للمصرف مقارنة بالقروض الربوية.
– تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية .
– التقليص بشكل كبير من ظاهرة التسول .

مثال للمنح الإنتاجية

المصرف يمول مشروع مصنع ألبان بقيمة مائة ألف دولار بشراكة مع أحد المستثمرين بالعمل والإدارة والتخطيط ,ويتفقان على مقاسمة الأرباح بحيث يكون نصيب كل واحد 50% من الأرباح وبعد مرور سنة وجد أن الأرباح وصلت إلى خمسين ألف دولا فيكون نصيب كلا من المصرف والمستثمر خمسة وعشرين ألف دولار, وهذا مثال بسيط جدا يمكن تطبيقه على نطاق أوسع من المعاملات المالية والمشاريع الاستثمارية بالمشاركة في الربح والخسارة إن وجدت,
مثال للقروض الاستهلاكية
يمتلك المصرف وحدة سكنية بقيمة 30 ألف دولار فيبيعها إلى المستهلك بقيمة 36ألف دولار بالتقسيط فيكسب المصرف 6 ألاف دولار وهكذا
التدابير التي ينبغي أن تتخذها الدول في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا لمواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة
بالإضافة إلى التدابير السابقة التي تم الإشارة إليها فإنه ينبغي على دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا اتخاذ التدابير الآتية
1. توفير الأمن الكامل والأمان للنشاط الاقتصادي
2. توفير المناخ المناسب للاستثمار وتشجيع الاستثمار الفردي والجماعي من خلال تقليص الضرائب وخاصة على الاستثمار الذي يهدف إلى إنتاج الحاجات الضرورية للفرد والمجتمع.
3. الابتعاد عن كل الوسائل التي تشجع الناس على تكوين رؤوس أموال بطرق غير شرعية .
4. ابتعاد الدول والهيئات العامة التابعة لها عن الإسهام أو المشاركة في تكوين رؤوس أموال لاستثمارها في إنتاج السلع الكمالية والترفيهية وترك ذلك للأفراد والهيئات الخاصة وفرض جبايات مالية على الناتج الترفيهي.
5. اقتصار الدول في الإنتاج والاستثمارات المالية على ما يعجز عنه الأفراد والهيئات الخاصة والابتعاد عن المنافسة الحقيقية لها .
6. وجوب مشاركة بيوت المال العربية والمصارف الإسلامية وبنوك التنمية الزراعية والصناعية والتجارية في البلاد الإسلامية مشاركة جادة وفعالة وحقيقية في الدول العربية وتقليص نشاطها في مجال استثمار الأموال خارج الدول العربية والإسلامية.
7. وضع ضمانات كافية لحماية المنتج الوطني من المنافسة الخارجية, ومنع الواردات المنافسة وخاصة فيما يتعلق بالضروريات والحاجيات.


كيفية حماية الاقتصاد الإسلامي على المدى الطويل:

1. عدم التعامل البتة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
2. إيجاد سياسة حكيمة ورشيدة تقوم على الدراسة المعمقة للتعامل مع منظمة التجارة العالمية ((wto)) اقتداء باليابان والدول الآسيوية
3. ايجاد سياسة حكيمة لحماية الثروة النفطية وتفعيل الموارد الغير نفطية ((السياحة , الزراعة ’ الصناعة ))

وهكذا فإن هذه الدراسة المتواضعة تتمحور حول فعالية البديل الإسلامي في إخراج العالم من أزمته المالية , ولكن حتى نكون موضعيين لا نحكم على هذا البديل في ليلة وضحاها،وأن نطبق هذا البديل بما يتلاءم مع متطلبات العصر ويلبي مقاصد الشريعة, وربما يقول قائل إن البديل الإسلامي قائم على نظرية أخلاقية يصعب تطبيقها في العمل المصرفي الميداني ,ونرد عليه بأن البديل الإسلامي قد حقق الرخاء الاقتصادي في عهد عمر بن عبد العزيز حتى احتار الناس في صدقاتهم, وفي هذا العصر الحديث أثبت البنوك الإسلامية وجودها في السوق, وأصبحت تنافس البنوك الربوية , فلم يعد مجال للشك في فعالية البديل الإسلامي,الذي نادى بالعمل والسعي في سبيل تحقيق الرزق وهذا مانسميه بالمصطلح الحديث الاقتصاد الحقيقي كما شدد الإسلام على أولئك الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويسعون في الأرض فسادا ويلهثون وراء المال بكل السبل لتلبية مصالحهم الشخصية كحال قارون وفرعون, وباختصار أكثر فإن البديل الإسلامي يهدف إلى تحويل المؤسسات المصرفية الربوية الرأسمالية إلى مؤسسات مصرفية إنتاجية إسلامية وبذلك يتحقق الرخاء الإقتصادي وهذا هو مخرج العالم من أزمته الراهنة

ملخص

تعتبر القروض الربوية سبب رئيس في الازمات الاقتصادية العالمية ، كما ان الولايات المتحدة الامريكية تعد اول الدول التي أصيبت بالازمة المالية ، وكان السبب حيث قامت البنوك بتخفيض نسبة الفائدة على القروض مما ادى الى ان نسبة كبيرة من الناس والافراد والشركات قامت على اخذ قروض ، كما ان بعد ذلك تم ازدياد نسبة الفائدة على القروض حيث ان هذ العملية كانت بشكل مفاجئ ، وبعد ذلك ظهرت الازمات المالية في اغلب دول العالم ، كما تم اظهار اسباب الازمة الاقتصادية العالمية بعد الراسة وتبين ان اسبابها كانت الارتفاع المفاجئ والذي حدث على نسبة الفائدة المتعلقة بالقروض الربوية ، كما ان من الاسباب الاخرى على الازمات الاقتصادية العالمية تحويل العملة النقدية الى سلع بالاضافة الى انه تم احتكارها من قبل اصحاب الاموال ، كما ان نسبة كبيرة من المستثمرين حولوا من استثماراتهم الحقيقية الى استثمارات وهمية وتعتمد على القروض الربوية .

One Comment

اترك رد