النشأة التاريخية للكويت (الكيان والتسمية)

images

1. أصل تسمية الكويت

يثور الجدل، وتتعدد الاتجاهات، في شأن تسمية الكويت، اشتقاقاً وأصلاً. فهناك مَن يرى أن الكويت هي تصغير “الكوت”، بمعنى القلعة الصغيرة أو الحصن. وقد سميت كذلك بسبب نشأتها حول “الكوت” (الحصن)، الذي أسسه أحد أمراء بَني خالد، وَوَهَبَه للعتوب[1]. وتدُل صيغة التصغير على تواضع مكانة الكويت، خلال المرحلة الأولى لنشأتها. بل اللافت أن سكان هذه المنطقة، كانوا يميلون إلى التصغير ميلاً ملحوظاً، مهما صعب اشتقاقه اللغوي. ولا يزال هناك عدة مناطق في الكويت، تحمل صيغة التصغير، منها: الشُّعَيبة، والشُّوَيخ، والفُحَيحل، والمُعَيدنيات. وثمة مَن يقول إن “الكوت”، الذي بناه بَنو خالد، قد تحطم بعض أركانه، وأُعيد بناؤه على نحو أصغر. ولذا، سُمي “كويت”. ومن هنا، جاءت التسمية.

ويشير بعض المصادر إلى أن كلمة “الكوت”، تستخدم في جنوبي العراق، وبعض البلدان العربية المجاورة له، وفي بعض أجزاء من بلاد فارس، بمعنى البيت، المبني على شاكلة القلعة أو الحصن، حتى يسهل الدفاع عنه، وتحيط به، عادة، بيوت أخرى. ولا يطلق اسم “الكوت” على ذلك البيت، إلاّ إذا كان مَوقعه بالقرب من الماء. ثم أصبحت اللفظة تطلق على القرية، إذا بنيت في مثل هذا المَوقع. وترى هذه المصادر، أن اللفظة قديمة الاستعمال في هذه المناطق، وهي من بقايا لغات، الكلدانيين، والبابليين، والأشوريين، وقد توارثها العراقيون عنهم. وهناك مَن يعترض على ذلك، محتجاً بأنه لم يُنقل عن الكلدانيين، والبابليين، والأشوريين، آثار لغوية.

وفي إطار تعدد الآراء في شأن أصل الكلمة، فثمة مَن يؤكد أن كلمة “كوت” برتغالية الأصل، وهي تعني القلعة، أو الحصن. وقد خلّفها البرتغاليون في المنطقة، بحكم وجودهم فيها لفترة طويلة، وهناك مَن يؤكد أن الكلمة هندية، وقد سُميت مدن كثيرة في الهند بهذا الاسم، أو باسم “قوت”، ومنها “قال قوت” بمعنى “قلعة قال”، وهي البلدة المعروفة، الآن، في الهند، باسم “كلكاتا Calcutta”.

ويرى آخرون، أن لفظة “كوت”، هي عربية، محرفة عن “القوت”. فليس من المستبعد، أن يُسمى مخزن الأقوات بـ “الكوت”، مجازاً. وليس من المستبعد، كذلك، إبدال القاف كافاً. فالعرب أنفسهم يبدلونها في بعض اللهجات، وفي خصوص بعض الكلمات، مثل (الفسق ـ الفسك). أو أن أصلها “الكوتي”، بمعنى القصير. ولا غرابة في حذف الياء التي تشبه “ياء” النسب، ففي اللغة العربية، يُقال، على سبيل المثال: مشرك، ومشركي.

وقد ظهر اسم الكويت، منذ القرن السابع عشر الميلادي، في الخرائط الأوروبية، تحت اسم القرين[2] ( Grane) (أُنظر خريطة منطقة “كاظمة” القرين)، وهو تصغير “قرن”، أي قمة الجبل الصغير، أو الأكمة في لغة العرب. وربما قصد به المرتفع، الذي نمت حوله مدينة الكويت. وهناك مقولة أخرى مفادها أن “القرين” نسبة إلى الساحل الشمالي للخليج (خليج الكويت)، الذي ينحني في اتجاه دائري، مكوناً ما يشبه قرن الحيوان. وقد اشتهرت بذلك الاسم، كما جاء في كتابات البحارة الرواد، من برتغاليين وهولنديين وإنجليز. وما زال اسم “القرن”، يطلق على بعض المَواقع في أطراف الكويت، حتى الآن.

وقد أمكن العثور على اسم “القرين” في إحدى وثائق “شركة الهند الشرقية الهولندية”، المحفوظة في دار المحفوظات الهولندية، في لاهاي، التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن السابع الميلادي.

ولعل الرحالة الألماني، كارستن نيبور،(Carsten Niebuhr) هو أول من استخدم اسم الكويت، في ما دَوّنَ عن رحلاته في شبه الجزيرة العربية، بين عامَي 1763 و1765. وفي خريطته، الواردة في كتابه عن تلك الرحلات، ذكر اسم الكويت مقروناً بالقرين، وأشار إلى أن مدينة القرين، يطلق عليها أهلها اسم الكويت.(أُنظر خريطة الخليج العربي عام 1774)

2. النشأة التاريخية

يصعب تحديد العام، الذي تأسست فيه الكويت، على نحو حاسم ودقيق. ذلك لأن المصادر التاريخية، تختلف اختلافاً بيِّناً في هذا الشأن. فهناك مصادر ترجّح أن تكون الكويت قد أُسست خلال القرن السابع عشر[3] وتختلف هذه المصادر في تحديد عام التأسيس، وشخصية الزعيم المؤسس. فالمؤرخ الكويتي، يوسف بن عيسى القناعي، مثلاً، يرجّح، في كتابه “صفحات من تاريخ الكويت”، أن تكون الكويت قد أُسست عام 1688. وأن المؤسس هو براك بن عريعر آل حميد، أمير بَني خالد. أمّا الشيخ النبهاني، فيرجّح أن يكون ذلك عام 1611. وثمة مَن يقول إن مؤسسها، هو الأمير عقيل بن عريعر، وذلك عام 1615. بل يرى آخرون، أن اسم الكويت لم يُعرف، إلاّ في أواسط القرن السابع عشر، وأن مؤسسها، هو محمد بن عريعر، أمير بَني خالد.

وثمة مصادر أخرى، ترجّح أن تكون الكويت قد أُسست في مطلع القرن الثامن عشر. وهي تختلف، كذلك، في تحديد عام التأسيس. ومن التواريخ، التي تذكرها هذه المصادر، الأعوام التالية: 1701، 1702، 1710، 1712، 1713، 1716. ويرجّح بعضها أن يكون المؤسس، هو سعدون بن عريعر، أمير بَني خالد، في مطلع القرن الثامن عشر. وبغض النظر عن الاختلافات في شأن تاريخ التأسيس، وشخصية المؤسس، فإن ثمة اتفاقاً على أن الكويت قد أخذت تنمو وتزدهر، منذ أن استقر بها العتوب، وأسسوا ركائز لإمارتهم، التي تطورت تطوراً سريعاً، خلال القرن الثامن عشر، ومنها انطلق جزء من العتوب إلى تأسيس إمارات أخرى، على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، متمثلة في “الزبارة” في قطَر، والبحرين، وذلك خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

ومهما يكن من أمر، فإن بدايات تأسيس إمارة الكويت، تعود إلى أواخر القرن السابع عشر، وأوائل القرن الثامن عشر، حيث استقر بها العتوب، وعملوا على تطويرها، عمرانياً واقتصادياً. إذ إن عملية إنشاء المدن والمجتمعات وتأسيسها، ليست بالمسألة البسيطة، التي تقتضي فترة زمنية قصيرة، وإنما عملية تطورية، ومعقدة، وغالباً ما تستغرق فترة زمنية طويلة.

3. وضعية المناطق التي أُنشئت عليها إمارة الكويت، قبل استقرار العتوب بها

كانت المناطق، التي أُنشئت عليها إمارة الكويت، تمثل جزءاً من أراضي قبيلة بَني خالد، وبالتحديد، جزءاً من منطقة الأحساء، التي كانت تحت سلطانهم، منذ أن نجحوا في إنهاء الوجود العثماني فيها، خلال عامَي 1669 و1670. وينُسب إلى شيخها، وهو، في أغلب الروايات، براك ابن عريعر آل حميد، أنه أمر ببناء حصن صغير، “كوت”، في المنطقة التي أُقيمت عليها إمارة الكويت، فيما بعد، ليكون مستودعاً للمؤن والذخيرة، ومأوى لرعاة قبيلته، إذا ما قصدوا المراعي القريبة من منطقة الحصن، أو إذا ما أراد أمير بَني خالد، أن يذهب إلى هذه المناطق، للصيد أو للراحة، أو إذا ما رغب في غزو القبائل العراقية، في الشمال.(أنُظر خريطة توزيع القبائل العربية في الخليج). وقد تجمّع حول هذا الحصن ـ الذي كانت تحيط به أراض فقيرة ـ مجموعات صغيرة من البدو، من أتباع بَني خالد، وصائدي الأسماك، في أكواخ بسيطة، وشكّلوا ما يشبه قرية صغيرة، خاصة أنه كان هناك بعض عيون الماء، المنتشرة حول هذا الحصن. وعلى هذه المنطقة وفدت جماعات العتوب، واستقرت بها، في نهاية القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر، بعد أن وافق بنو خالد على ذلك، بل إنهم منحوا العتوب تلك المنطقة، كمكافأة لهم، مقابل مساندتهم بَني خالد على صراعهم ضد العثمانيين. وقد كان لبَني خالد دور مهم في توفير مظلة الحماية، تمكن العتوب، في إطارها، من إرساء دعائم إمارتهم، وتحقيق تقدمها وازدهارها، من دون خوف من تهديدات أي من القوى الخارجية.

4.. هجرة العتوب واستقرارهم بالكويت

تستخدم المصادر، العربية والأجنبية، عدة تسميات للعتوب، منها: “بَنو عتبة” و”العتوبيون” و”عتبة”. وجميعها ترجع إلى الأصل (ع ـ ت ـ ب)، وهو فعل معناه كثرة التنقل والترحال من مكان إلى آخر[4]. وفي خصوص هذه التسميـة، ذكـر المقـدم هـارولد ريتشارد باتريك ديكسون (Harold Richard Patrick Dickson)، الذي عاش في الكويت منذ عام 1929، حيث عمل وكيلاً للحكومة البريطانية حتى عام 1936 وتوفي فيها عام 1960، أن الشيخ عبدالله السالم الصباح، أخبره بأن أجداده، سُموا بهذا الاسم، بعد أن ارتحلوا من الجنوب إلى الشمال، أي بعد أن “عتبوا” إلى الشمال، حتى استقروا بالكويت.

والعتوب تجمّع اتحاد قَبَلي، يضم عدة أُسَر عربية، أشهرها ثلاث: آلُ الصباح، حكام الكويت، وآل خليفة، حكام البحرين، والجلاهمة. وتؤكد روايات العتوب أنهم ينتمون إلى “جُميلة”، أحد أفخاذ قبيلة “عنزة”. وهي قبيلة عدنانية كبيرة، ومشهورة، ينتمي إليها، كذلك، آل سعود، حكام المملكة العربية السعودية. وكان العتوب، قبْل هجرتهم، يقطنون في الهدَّار، في منطقة الأفلاج، جنوبي نجد.

وكما اختلفت المصادر في تحديد بداية تأسيس دولة الكويت، كذلك، اختلفت في تحديد تاريخ هجرة العتوب إليها واستقرارهم بها، إلاّ أن وثائق بومباي، تُرجع ذلك الاستقرار إلى السنوات الأولى من القرن الثامن عشر، وعلى وجْه التحديد، إلى عام 1716 .وكذلك، تتعدد الروايات في شأن كيفية هجرتهم، والطرق التي سلكوها، والأماكن التي نزلوا بها، قبل أن يستقروا بالكويت.

ويذكر أن سبب هجرتهم من بلادهم في الأفلاج، حدوث نزاع بينهم وبين أبناء عمومتهم من “جميلة”، من قبيلة عنزة. وقد انتصر عليهم هؤلاء بمساعدة الدواسر. واضطروا إلى النزوح إلى الزبارة ومنها إلى الكويت، التي كانت تحت حكم بني خالد، ومنحهم إياّها زعيم تلك القبيلة. واتفق العتـوب على أن يتولى سليمان بن أحمد، كبير آل صباح، الرئاسة، ويتولى خليفة بن محمد، كبيـر آل خليفة، التجارة، ويتولى جابر العتبي، كبير الجلاهمة، العمل في البحر، على أن يقتسموا الأرباح بالتساوي. وبعد خمسين عاماً، انفصل محمد بن خليفة، وغادر الكويت إلى الزبارة.

وقد تعددت دوافع تلك الهجرة. فهناك من يرجّح أن تكون هجرتهم بسبب الصراعات القبَلية، في داخل شبه الجزيرة العربية، بين أُسرتَي الصباح وخليفة، من ناحية، وأبناء عمومتهم، آل سعود، من ناحية أخرى. وقد آثرت أُسْرتا الصباح وخليفة الهجرة، تجنّباً لمشاكل الأخذ بالثأر، أو فراراً من موجات القحط، التي اجتاحت شبه الجزيرة العربية، في بعض الفترات، خلال القرن السابع عشر. وربما كانت هجرتهم نتيجة للفراغ السياسي، المترتب على انهيار النفوذ البرتغالي في الخليج، عقب طردهم من مسقط، على أيدي اليعاربة، عام 1650، مما شجع العرب على العودة إلى سواحل الخليج، بعد أن انحسرت موجات هجرتهم، خلال فترة الوجود العسكري البرتغالي، التي استمرت نحو مائة وتسعين عاماً. ومن ثَم، فإن انهيار النفوذ البرتغالي في الخليج، كان دافعاً لكي تستأنف الهجرات القبلية نشاطها. وقد أسهمت تلك الهجرات في تأسيس الكيانات السياسية في الخليج العربي، منذ السنوات الأولى من القرن الثامن عشر. وأسهم العتوب في تأسيس وحدتَين سياسيتَين، حين استقرت أُسرة الصباح بحكم الكويت، عام 1756، وآل خليفة بحكم البحرين، عام 1783.

وإذا كان من الراجح أن العتوب قد استقروا بالكويت، في أواخر القرن السابع عشر، وأوائل القرن الثامن عشر. فالمؤكد أنهم لم يتجهوا إلى الكويت، بعد هجرتهم من نجد مباشرة، بل قضوا فترة طويلة، قدّرها بعض المصادر بحوالي خمسين سنة، متنقلين بين مناطق الخليج العربي وموانئه. ولذلك، فمن المرجح أن تكون هجرتهم من شبه الجزيرة العربية، خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر. وفي طريق هجرتهم، استقر العتوب، في البداية، بقطَر، التي كانت واقعة ضمن نفوذ بَني خالد، ويحكمها “آل مسلم”. ولم تستمر إقامتهم بها، إذ تركوها، على أثر خلافات نشبت بين الجانبَين. ويرجّح بعض المصادر، أن يكون العتوب، قد قضوا في قطَر مدة طويلة، نسبياً، تعلموا، خلالها، العمل في البحر، وبناء السفن. وهو ما يفسر الرواية المحلية، القائلة بسفر العتوب إلى الكويت، بحراً. وبعد تركهم قطَر، تفرّق العتوب في مناطق وموانئ متعددة في الخليج.

وتختلف المصادر في تحديد أي من هذه الموانئ، كان منطلقهم. وهي تفترض أن هناك ثلاثة أماكن، من المحتمل أن يكون العتوب، قد توجهوا منها، أو من أحدها إلى الكويت. وهذه الأماكن هي:

أ. المنطقة المعروفة باسم “أم قصر”، بالقرب من شط العرب. ويُقال إن العتوب، الذين استقروا بهذه المنطقة، اضطروا إلى مغادرتها، بعد أن هددتهم الدولة العثمانية باستخدام القوة ضدهم، نظراً إلى ممارستهم بعض أعمال السلب والقرصنة، الشائعة في ذلك الوقت.

ب. وثاني هذه الأماكن هو “خور الصبية”، جنوب البصرة. وقد اضطر العتوب إلى تركه، كذلك، بناءً على أوامر والي البصرة، بعد أن اعتدوا على بعض القوافل القادمة إلى المدينة. فغادروها إلى جزيرة فيلكا، حيث استقروا لبعض الوقت، قبْل أن يرحلوا إلى الكويت.

ج. أمّا المكان الثالث، فيتمثل في بعض المناطق، على الشاطئ الشرقي للخليج في بلاد فارس. وقد طُرد العتوب من هذه المناطق، بوساطة بعض القبائل العربية، القاطنة فيها.

وإضافة إلى ما سبق، يقدّر بعض المصادر الأخرى، أن العتوب، ومعهم بعض العرب والعجم، قد هاجروا من قطَر إلى الكويت، مباشرة، بعد أن اختلفوا مع حكامها “آل مسلم”. وقد حاول يوسف القناعي، التوفيق بين مختلف الآراء والروايات السابقة، فذكر أن العتوب بعد أن تركوا قطَر، تفرقوا في مناطق عديدة من الخليج، ثم عادوا ليستقروا بالكويت، بعد موافقة بَني خالد، وكان ذلك على مراحل. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ تطوير مشيخة الكويت وتعميرها.

ومن العوامل المساعدة على استقرار الحكم في الكويت لأُسرة الصباح، هجرة آل خليفة منها، خلال الفترة من 1762ـ 1766، أي في عهد عبدالله الأول بن صباح الأول، وتأسيسهم إمارة “الزبارة” في قطَر، ثم فتحهم البحرين (1782 ـ 1783)، التي كان يحكمها آل مذكور، من عرب “بوشهر”[5]، في إطار التبعية للفرس، وذلك بمساعدة أُسرة الصباح، وتحويلها إلى إمارة عربية، تحت حكم آل خليفة. وكانت البحرين، في ذلك الوقت، تمثل مصدراً مهماً للثراء، إذ يوجد فيها أشهر مصايد اللؤلؤ في الخليج العربي. وقد رحل، كذلك، عن الكويت “الجلاهمة”، بعد رحيل آل خليفة عنها بفترة قصيرة. وبذلك انفرط عقد تجمّع الأُسَر العتوبية الأساسية (أُسرة الصباح، وآل خليفة، والجلاهمة)، التي أسست إمارة الكويت. وانفردت أُسرة الصباح بحكمها، عام 1756.

وتورد المصادر العديد من الأسباب لهجرة آل خليفة من الكويت، منها: اختلافهم مع أُسرة الصباح في كيفية التعامل مع عرب بَني كعب[6]. الذين شنوا العديد من الغارات على الكويت. لذلك، رحل آل خليفة عن الكويت، تجنّباً لهذه الأخطار، خاصة أن شيخهم، لم يقبل إهانات بَني كعب. فضلاً عن تطلع آل خليفة إلى الاستقلال، من ناحية، وتوسيع تجارتهم، من ناحية أخرى. وهناك مَن يفسر هجرة آل خليفة من الكويت، باختلافهم مع أُسرة الصباح في رئاسة الإمارة، فمحمد آل خليفة، كان يرى أنه أحق برئاسة الإمارة، بعد وفاة صباح الأول بن جابر. ولكن مع تولي عبدالله الأول بن صباح الأول الإمارة، خلفاً لوالده، انحصرت الرئاسة في أُسرة الصباح، وهاجر آل خليفة، لعدم قبولهم بالمركز الثاني في الإمارة.

ومن الثابت، أن أُسرة الصباح، وجماعتهم من العتوب، حينما قدِموا إلى الكويت، وجدوا فراغاً سياسياً لا سلطة لأحد عليها، إلاّ حكام بَني خالد. ولا توضح الروايات إنْ كان العتوب، قد استولوا على الكويت عنوة، أو أن بَني خالد قد منحوهم إياها، طواعية، من أجْل استقرارهم بها وتعميرها، أو مكافأة لهم على مساعدتهم لبَني خالد، خلال صراعهم ضد العثمانيين، حتى تمكنوا من التخلص من النفوذ العثماني، في الأحساء والقطيف وعلى الرغم من أن العتوب قد استقروا بكنف بَني خالد، إلاّ أن هؤلاء تركوا لهم تصريف شؤونهم بأنفسهم. ومن ثَم، بادر العتوب، حين انتعشت الكويت، وتزايد عدد سكانها، إلى تقليد الحكم أحد زعمائهم، وهو الشيخ صباح بن جابر. ويُرجّح حدوث ذلك في منتصف القرن الثامن عشر، وعلى وجه التحديد عام 1756، وقد استقر بالحكم حتى وفاته، عام 1762، على الأرجح.

وقد استطاع العتوب، بزعامة آل الصباح، أن يحققوا انتعاشاً كبيراً للكويت. ويعزى ذلك إلى أن القرى المجاورة لهم، كانت تعاني الكثير من عوامل الفوضى والاضطراب. فالحروب لم تهدأ بين فارس والدولة العثمانية، كما كانت نجْد، قبل تأسيس الإمارة السعودية الأولى، منقسمة على نفسها إلى إمارات متناثرة ومتصارعة. وكان من الطبيعي في ظل تلك الظروف المضطربة أن تلجأ الشركات الأوروبية التجارية إلى ميناء الكويت، أو القرين، للاستفادة من موقعها الجغرافي على الخليج، ومن مدخله إلى الطريق الصحراوي المهم، الواصل بين الكويت وحلب (طريق البريد بين الكويت وحلب). فضلاً عن أن نزعة شيوخه إلى الاستقلال، كانت تغري الوكالات التجارية، التابعة لتلك الشركات، بالتعامل معهم مباشرة، كما اجتذبها الموقع وحالة الأمن. كذلك، أغرى الكويتيين ما جنوه من هذه الشركات، باستثمار موقع بلادهم، والعمل على استقلالها الاقتصادي.

وذكر الرحالة الألماني، كارستن نيبور، في رحلاته إلى الخليج، وشبه الجزيرة العربية، بين عامَي 1763 و1765، حينما كان عضواً في البعثة العلمية، التي أوفدها ملك الدانمارك فريدريك الخامس Frederick V عام 1760، إلى شبه الجزيرة العربية، الازدهار، الذي حققته الكويت، في الفترة، التي تلت استقرار العتوب. فأشار إلى أنهم يمتلكون أكثر من ثمانمائة سفينة، ويستوردون الأخشاب اللازمة لبنائها من الهند. إلاّ أن أهم ما جاء في المعلومات، التي ذكرها الرحالة الألماني، أن أبناء الكويت، تطوروا إلى مجتمع حضري، يشتغل بالتجارة، والغوص، وبناء السفن. .

وأهمية مثل هذه المعلومات أنه يشير إلى الطبيعة المتفردة، التي نجح الكويتيون في إضفائها على بلادهم، منذ ذلك الوقت المبكر. وليس من شك في أن ازدهار الكويت وثراءها التجاري، كانا مثاراً للاحتكاك بينها وبين شيوخ بَني خالد، الذين أرادوا استعادة تبعية الكويت لهم. وهناك حقيقة مهمة، لا بدّ من الإشارة إليها، وهي، أن العتوب تمسكوا باستقلالهم، حتى إنه كلما كان شيوخ بَني خالد، يوجهون قواتهم لإخضاع الكويت، كان أهلها ينتقلون، مؤقتاً، إلى جزيرة فيلكا الصغيرة، حاملين معهم أمتعتهم، تمهيداً لعودتهم. وتشير هذه الحقيقة إلى أمرين.

  • طبيعة المجتمع التجاري المتحرك، الذي أنشأه الكويتيون، وهو غير المجتمع الزراعي الثابت، أو الرعوي، المدافع عن مناطق الكلأ. فكل ما يهم أبناء هذا المجتمع هو أمتعتهم، أو بتعبير حديث رأسمالهم، وهو بطبيعته ملكية منقولة.
  • الكويت من دون تجار، وقتئذٍ، لا قيمة لها. ولما كان الكويتيون يشكلون مجتمع التجارة، والصيد، والغوص، كما شهد به الرحالة نيبور، فإن ترْك الكويت لبَني خالد، الذين كانوا يشكلون، بالأساس، قوة اجتماعية، ذات طبيعة بدوية، كان لا يعني شيئاً بالنسبة إلى بَني خالد، الذين كانوا سيتركونها، إن عاجلاً أو آجلاً، وهو ما كان يعلمه الكويتيون

تعليق واحد

اترك رد