من أهم القرارات التي يحتاج أن يتخذها أي مشروع تجاري هي تحديد نوع المستهلكين الذين سيتم استهدافهم في البداية. استهداف زبائن لا يجازفون كثيراً ومن السهل التنبؤ بسلوكهم هي أسهل طريقة للشركة لتحصل على موطئ قدم لها في السوق، ومن هؤلاء المستهلكين الطبقة الوسطى الوليدة في الاقتصادات الناشئة.
لكن لماذا هذه الطبقة مهمة؟ أولاً، لأن أوضاعهم المالية تتحسن ويصبحون معها أكثر رغبة في شراء أشياء جديدة. هم مستعدون لدفع القليل فوق المعتاد لشراء شيء يرونه فاخراً، لكنهم في الوقت ذاته غير قادرين على شراء المنتجات الفاخرة، ثانياً، بسبب عدم قدرتهم على شراء الماركات الفخمة، ترى أصحاب الأموال يتجاهلونهم لأنهم لا يدفعون ما يكفي لتغطية التكاليف المرتفعة لمنتجاتهم. بكلمات أخرى، هي طبقة جذابة لرائد أعمال ذكي: فأعدادهم كبيرة ولديهم من المال ما يكفي لجعل أي شركة تستهدفهم تنمو وتكبر، وهم فقراء بما يكفي لجعل أصحاب الأموال لا يكترثون بهم.
ومع هذا فإن النظر على الطريقة التي تعمل بها شركة شيومي يبين لنا كما مختلفة هذه الشركة وكم ثورية هي. أولاً، شيومي لا تستهدف المستهلكين الأغنياء على عكس شركة أبل، ثانياً، معظم زبائنها هم من المراهقين الشباب الذين يرغبون بالحصول على هواتفها العالية الجودة وبأسعار منخفضة جداً مقارنة بجودتها، فأسعار شيومي أقل ب 60% على الأقل. حيلة ذكية أليس كذلك؟ لكن كيف تستطيع شيومي النجاة وجني المال بهذه الطريقة؟
حتى تتمكن من بيع هواتف عالية الجودة بسعر منخفض، تبقي شيومي كل طراز من هواتفها في السوق لمدة أطول بكثير مما تبقيه أبل. وسطياً، تطلق كل شركة نسخة جديدة من هواتفها في السوق كل 265 يوماً ، وهذه المدة أقل من ال 345 يوم التي كانت تقضيها نسخة الهاتف في السوق في عام 2009. أما شيومي فلا تقوم بتجديد منتجاتها حتى مرور سنتين عليها. بالإضافة لذلك، وبدل أن تبيع هواتفها بأسعار مرتفعة لتغطي تكاليف منتجاتها التي تعتبر من الأفضل في السوق، تُسعّر شيومي الهاتف بسعر أعلى بقليل من التكلفة الكلية لمجموع مكونات الجهاز. وبينما تنخفض تكلفة قطع الجهاز خلال هاتين السنتين بأكثر من 90%، تبقي شيومي سعر الجهاز كما هو، وتضع هذا الفرق في التكاليف في جيبها. أي بكلمات أخرى، طريقة اكتسابها لهامش الربح هي تماماً عكس طريقة آبل التي تحصل على الربح الأكبر من خلال تقديم طراز جديد، وتحتاج لأن تأتي بطراز جديد آخر دائماً حتى تحافظ على هامش الربح المرتفع هذا.
عندما تفكر كم سهلٌ تحقيق الربح من صنع جهاز بمكونات رخيصة التكلفة بدل الاعتماد على تطوير المنتج بشكل مستمر (والذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تقديم مزايا متطورة تتجاوز ما يحتاجه المستهلك العادي)، سيتوضح لك كم ثوري أسلوب العمل الذي تتبعه شركة شيومي.
قد تعتقد أيضاً أن من السهل للمنافسين أصحاب المنتجات الرخيصة تقليد هذا الأسلوب الذكي، لكن شيومي عرفت كيف تحصّن نفسها. فقد صممت طريقة مبتكرة لخلق بعض من تلك الهالة الغامضة شبيهة بتلك التي تحيط بمنتجات أبل. هذا الابتكار يقوم على أساس تسويق هواتفها للمراهقين الذين هناك حد لما يمكن أن يدفعوه ولكنهم بنفس الوقت يهتمون لمكانتهم الاجتماعية، وهي نفس الطريقة التي تروج بها فرق الروك لبيع تذاكرها. ومن خلال أحد شركات التجزئة المعروف باسم فلبكارت Flipkart، يقوم المشترون بالتسجيل المسبق حتى يتمكنوا من شراء الهاتف خلال الفترات القصيرة التي يعرض فيها المنتج للبيع. عليهم البقاء متصلين على الإنترنت لحوالي الساعتين قبل بدء البيع، ثم سيتمكن فقط أول 200,000 شخص من شراء المنتج. بعد هذه التجربة العصيبة، وبما في الطبيعة الإنسانية كل ممنوع مرغوب، سيصبح المستهلكون أكثر رغبة بالحصول على الهاتف.
شيومي الآن في طريقها لتحقيق هدفها في بيع 60 مليون جهاز بحلول عام 2014 وهي تقوم بذلك بنموذج عمل يمكنّها من التوسع في دول ذات اقتصاديات متقدمة. في البداية، كانت شركات الهواتف الكبرى كلاسيكية في استجابتها لهذا الابتكار الثوري الذي أتت به شركة شيومي ولم يكن لديهم حافز لأخذ هذا التحدي على محمل الجد، لأنهم بكل الأحول لم يكونوا قادرين على تحقيق الربح بالأسعار التي يدفعها المستهلكون لشيومي. شيومي الآن أصبحت منافساً مهما، ومع هذا فالشركات الكبرى بالكاد تقوم بخطوات استجابة لتهديدها، ومنها إطلاق منتجات مبسّطة من هواتفها الرئيسية كما فعلت أبل بإطلاقها أيفون 5c. لكن هذا الطراز أصبح الآن قديماً، لأن طرازاً جديداً، هو آيفون 6، أطلق مؤخراً وحظي بضجة كبيرة في البلدان الغنية، لهذا فعلى الأغلب سيكون مصير هذا الجهاز قريباً هو إيقاف تصنيعه.
بالنسبة لشركة مقلدة، تشكل شركة شيومي تهديداً معقداً لكبرى شركات تصنيع الهواتف الذكية في العالم. وبينما تتابع الشركة توسعها في أسواق البلدان المتقدمة من خلال التسويق لاستهداف الطبقة الوسطى الناشئة، تبقى شيومي محجوبة عن أعين المنافسين بهامش الربح الذي تحققه وبالطريقة التي تجعل من هواتفها تحقق لها الربح. لكن عاجلاً أم آجلاً، وبينما تعمم الشركة أسلوب عملها الجديد، فإن هذا المنافس الثوري سيقوم بتغيير شكل هذه الصناعة.
جزاك الله خير