يفترض بالدنيا ان تكون محطة عبور مؤقتة .. نتغافل عن ذلك و نعيشها كأنها الأبد .. تغرقنا تفاصيلها و تسلب أرواحنا و نعيش فيها بأجساد آلية خاوية .. نعيش موتى و لا نعرف للحياة معنى ..
و في خضم لهونا و عيشنا العبثي .. هناك آخرون ؛ بشر لهم هيآتنا لكنهم يملكون روحا و ذلك جوهر الاختلاف بيننا و بينهم .. تلك الروح تعطيهم حياة لا نملكها نحن المنهمكون في يومياتنا ..
الحي حقا هو من يعيش لمعنى لغاية لهدف .. هو من يعد الحياة الدنيا مؤقتة و مجرد نقطة عبور للحياة الاخرة ؛للحياة الحقيقية البرزخية .. الحي هو من يرى ان حياته في الدنيا لا يتحقق الا بعطائه و بذله و تضحيته و ان كان الموت ثمن ذلك ..فالموت في قاموسه حياة مادام في سبيل الله و في سبيل رسالة او خير يستمر بعده..
اولئك البائعون دنياهم هم الشهداء الذين مروا بيننا كعابري سبيل ربما لم نعرفهم و لربما عرفناهم و أكبرنا فعالهم لكننا لم نملك الجرأة لنتخذ طريقهم ..
الشهداء اولئك الذين يحيون حقا و أبدا عندما يغيبون ..فهم ما غابوا الا ليحيوا و لتحيا بفعالهم و بذلهم دنيانا التي قتلها الظمأ و السواد و الشر .. شهادتهم رسالة تبدأ بعيد رحيلهم ؛ في طيات الرسالة يتركون اثرا من ارواحهم و انفاسهم و قبسا من نور قلوبهم و ايمانهم عسى ان ينتقل لمن يحيا به و يواصل السير على خطاهم ..
يقولون ذكرى الشهيد .. الشهيد لا يريد منا ذكرى و لا يأبه لكوننا نعرفه او نتذكره ..فالذكرى لا تعدو كونها خفقة حية في قلب متخم بالموت او صفير ريح في جسد خاو من روح او دمعة مالحة في عين جف ماؤها .. الذكرى لا تكون ذكرى ان لم تشتعل و تحرقنا ..ان لم تصقلنا و تعد تشكيلنا لنحيا كما كان الشهيد ..
الشهيد حي لا يموت و ذكراه ينبغي ان تكون حية لا تموت .. ذكرى الكلمة و ذكرى اليوم الواحد لا تجدي .. الذكرى لصاحبها سير على النهج الذي ساره ..اكمال لما بدأه.. تعلم لسيرته و منهاجه ..
و كثيرا ما يحدث ان الشهيد لا نعرفه و لا نشعر بعظم ما يقدمه من تفان و جهد الا بعد فقده .. ذلك لاننا لا نرى من دنيانا سوى العيش و لا نخاف منها سوى الموت ..
و لربما اعز ما يمكن ان يتمناه شهداؤنا الراحلون كاحياء لذكراهم هو ان نكرم الشهداء الاحياء و نحيي ذكراهم او بالاحرى وجودهم قبل فقدهم..